الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
أَيْ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ (طَرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ) حُكْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، (مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ) أَيْ الشَّيْءِ (وَالْحُكْمُ) لُغَةً الْمَنْعُ. وَاصْطِلَاحًا (الْفَصْلُ) أَيْ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ أَوْ الْإِلْزَامُ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ كَعَقْدٍ رُفِعَ إلَيْهِ فَحَكَمَ بِهِ بِلَا خُصُومَةٍ، وَسُمِّيَ الْقَاضِي حَاكِمًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ (إذَا حَضَرَ إلَيْهِ) أَيْ الْقَاضِي (خَصْمَانِ) اُسْتُحِبَّ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ} وَقَالَ عَلِيٌّ حِينَ خَاصَمَ الْيَهُودِيَّ فِي دِرْعِهِ إلَى شُرَيْحٍ: " لَوْلَا أَنَّ خَصْمِي يَهُودِيٍّ لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك "؛ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا جَلَسَا (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يُبْدَأَ) خَصْمُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُبْدَأَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِالدَّعْوَى، (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ: أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي)؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا، (وَمَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى) مِنْهُمَا (قَدَّمَهُ) أَيْ قَدَّمَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِتَرَجُّحِهِ بِالسَّبْقِ، فَإِنْ قَالَ خَصْمُهُ: أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يَلْتَفِتْ الْحَاكِمُ إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ ثُمَّ اُدْعُ بَعْدُ مَا شِئْتَ، (ثُمَّ) إنْ ادَّعَيَا مَعًا قُدِّمَ (مَنْ قُرِعَ) أَيْ: خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُسْتَحِقَّ (فَإِذَا انْتَهَتْ حُكُومَتُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (ادَّعَى الْآخَرُ) لِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ حَقَّهُ. (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَقْلُوبَةٌ) نَحْوُ أَدَّعِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيَّ دِينَارًا مَثَلًا فَاسْتَحْلِفْنِي لَهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَانْقَلَبَ فِيهَا الْقَصْدُ الْمُعْتَادُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتَنْبَطَهَا. (وَلَا) تُسْمَعُ دَعْوَى (حِسْبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَعِبَادَةٍ) مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحْوِهَا (وَحَدِّ) زِنًا أَوْ شُرْبٍ (وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَنَحْوِهِ) كَجَزَاءِ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمًا أَوْ فِي الْحَرَمِ، (وَتُسْمَعُ) بِلَا دَعْوَى (بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَبِعِتْقٍ وَلَوْ أَنْكَرَ مَعْتُوقٌ) لِعِتْقِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا تُسْمَعُ بِطَلَاقٍ. (وَ) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى (بِحَقٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَوَقْفٍ) عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ (وَوَصِيَّةٍ عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى خَصْمٍ) فِي جِهَةِ ذَلِكَ، (وَ) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى (بِوَكَالَةٍ وَإِسْنَادٍ بِوَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ) وَلَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ. (وَ) لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ (بِحَقِّ) ذِمِّيٍّ (مُعَيَّنٍ قَبْلَ دَعْوَاهُ) بِحَقِّهِ وَتَحْرِيرِهَا، (وَلَا تُسْمَعُ يَمِينُهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (إلَّا بَعْدَهَا) أَيْ الدَّعْوَى (وَبَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ إنْ كَانَ) حَيْثُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، (وَأَجَازَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا سَمَاعَهَا) أَيْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ (لِحِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ بِلَا خَصْمٍ)، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ (وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ)، أَيْ نُصِبَ لِيُنَازِعَ صُورَةً (قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَى أَصْلِنَا) أَيْ قَاعِدَتِنَا، (وَ) عَلَى (أَصْلِ مَالِكٍ إمَّا أَنْ تَثْبُتَ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَهَا وَيَحْكُمَ بِلَا خَصْمٍ وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَ) بَعْضُ (الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ؛ لِأَنَّا نَسْمَعُهَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ نَحْوِهِ) كَمَيِّتٍ (فَ) سَمَاعُهَا (مَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الْحُكْمُ لِخَوْفِ خَصْمٍ) مُسْتَقْبَلٍ (وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِهِ)، أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْخِلَافِ، قَالَ (الْمُقْنِعُ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ وَتَشْهَدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، فَيُحْكَمُ بِهِ بِلَا خَصْمٍ (وَهُوَ قَوِيٌّ) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. قُلْت: وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعًا.
وَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ، وَلَوْ لَمْ تَتْبَعْهُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْمَشَقَّةِ، (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الدَّعْوَى شُرُوطٌ أَحَدُهَا (تَحْرِيرُهَا) يُرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ} وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ تَحْرِيرِهَا، (فَلَوْ كَانَتْ) الدَّعْوَى (بِدَيْنٍ عَلَى مَيْتٍ ذَكَرَ مَوْتَهُ وَحَرَّرَ الدَّيْنَ)، فَإِنْ كَانَ أَثْمَانًا ذَكَرَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَقَدْرَهُ (وَ) حَرَّرَ (التَّرِكَةَ)، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَفِي الْمُغْنِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ مُورِثِهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَارِثٍ فِي عَدَمِ التَّرِكَةِ بِيَمِينِهِ، وَيَكْفِيه أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَلِّفُ شَيْئًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (كَوْنُهَا) أَيْ الدَّعْوَى (مَعْلُومَةً) أَيْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لِيَتَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ الْإِلْزَامِ بِهِ إذَا ثَبَتَ، (إلَّا فِي وَصِيَّةٍ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِدَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَ) إلَّا فِي (إقْرَارٍ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمُجْمَلٍ فَتَصِحُّ، وَإِذَا ثَبَتَ طُولِبَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْبَيَانِ، (وَ) إلَّا فِي (خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ (عَلَى مَجْهُولٍ) كَأَنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى دَوَابِّهَا فَأَجَابَهَا وَتَنَازَعَا. قُلْت: وَكَذَا جَعْلُهُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، إذَا سَمَّى مَجْهُولًا لِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ مَعَ جَهَالَتِهِ، (فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (عَنْ دَعْوَى بِوَرَقَةٍ ادَّعَى بِمَا فِيهَا) وَلَوْ وَثِيقَةً حَتَّى يُثْبِتَهُ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَوْنُ الدَّعْوَى (مُصَرَّحًا بِهَا، فَلَا يَكْفِي) قَوْلُ مُدَّعٍ (لِي عِنْدَهُ كَذَا حَتَّى يَقُولَ: وَأَنَا مُطَالِبٌ بِهِ) ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَكْفِي الظَّاهِرُ، (وَلَا) يَكْفِي قَوْلُ مُدَّعٍ (أَنَّهُ أَقَرَّ لِي بِكَذَا، وَلَوْ) كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ (مَجْهُولًا، حَتَّى يَقُولَ) مُدَّعٍ: (وَأُطَالِبُهُ بِهِ أَوْ) أُطَالِبُهُ (بِمَا يُفَسِّرُهُ بِهِ). الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى (مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِّ فَلَا تَصِحُّ) الدَّعْوَى بِدَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَبَ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ (وَتَصِحُّ) الدَّعْوَى (بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ) لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَثَرُهَا. الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى (مُنْفَكَّةً عَمَّا يُكَذِّبُهَا، فَلَا تَصِحُّ) الدَّعْوَى عَلَى شَخْصٍ (بِأَنَّهُ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَسَنَةٌ دُونَهَا وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ كَذَا وَنَحْوَهُ مُنْفَرِدًا بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيهِ أَوْ انْفَرَدَ بِهِ فَلَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي غَلِطْتُ أَوْ كَذَبْتُ فِي الْأُولَى، وَإِنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ، فَإِنْ ذَكَرَ تَلَقِّيهِ مِنْهُ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا. و(لَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى (ذِكْرُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ) لِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُدَّعِي. (وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ مُدَّعًى بِهِ) إنْ حَضَرَ (بِالْمَجْلِسِ) لِنَفْيِ اللَّبْسِ بِالتَّعْيِينِ. (وَ) يُعْتَبَرُ (إحْضَارُ عَيْنٍ) مُدَّعًى بِهَا إنْ كَانَتْ (بِالْبَلَدِ لِتُعَيَّنَ) بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ نَفْيًا لِلَّبْسِ، (وَيَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ مِثْلَهَا) أَنْ يُحْضِرَهُ وَيُوَكِّلَ بِهِ حَتَّى يَفْعَلَ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِغَصْبِ نَحْوِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا، وَأَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ عَبْدًا كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْغَصْبَ وَقَالَ: الْعَبْدُ مِلْكِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِحْضَارِهِ لِتَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ. (وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا (بِيَدِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا (بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ، حُبِسَ حَتَّى يُحْضِرَهَا) لِتَقَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهَا (أَوْ) حَتَّى (يَدَّعِيَ تَلَفَهَا فَيُصَدَّقَ لِلضَّرُورَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَتَكْفِي الْقِيمَةُ) بِأَنْ يَقُولَ مُدَّعٍ: قِيمَتُهَا كَذَا حَيْثُ تَلِفَتْ، (وَإِنْ كَانَتْ) الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا (غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ أَوْ) كَانَتْ (تَالِفَةً أَوْ) كَانَتْ (فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ غَيْرَ مِثْلِيَّةٍ) كَالْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ بِالصِّفَةِ وَكَوَاجِبِ الْكِسْوَةِ (وَصَفَهَا) مُدَّعٍ (كَسَلَمٍ) بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَضْبِطُهَا مِنْ الصِّفَاتِ، (وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا أَيْضًا) أَيْ مَعَ وَصْفِهَا. وَفِي التَّرْغِيبِ يَذْكُرُ قِيمَةَ غَيْرِ مِثْلِيٍّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، (وَ يَكْفِي) فِي الدَّعْوَى بِنَقْدٍ (ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) إنْ اتَّحَدَ. (وَ) ذِكْرُ (قِيمَةِ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ سَلَمٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ صِفَاتِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ ذَكَرَ مَوْضِعَهُ وَحُدُودَهُ. (وَ) تَكْفِي (شُهْرَةُ عَقَارٍ عِنْدَهُمَا) أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ (وَ) عِنْدَ (حَاكِمٍ عَنْ تَحْدِيدِهِ) لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ. (وَلَوْ قَالَ) مُدَّعٍ: (أُطَالِبُهُ بِثَوْبٍ غَصَبَنِيهِ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَرُدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وإلَّا) يَكُنْ بَاقِيًا، (فَقِيمَتُهُ أَوْ) قَالَ أُطَالِبُهُ: (بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَخَذَهُ مِنِّي لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ وَأَبَى رَدَّهُ وَإِعْطَاءَ ثَمَنِهِ فَيُعْطِينِيهَا) أَيْ الْعِشْرِينَ (إنْ كَانَ بَاعَهُ أَوْ) يُعْطِينِي (الثَّوْبَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ) يُعْطِينِي (قِيمَتَهُ) الْعَشَرَةَ، (إنْ كَانَ تَلِفَ صَحَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحًا) مِنْ الْقُضَاةِ مَعَ تَرْدِيدِ الدَّعْوَى لِلْحَاجَةِ. (وَمَنْ ادَّعَى عَقْدًا، وَلَوْ غَيْرَ نِكَاحٍ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (ذَكَرَ شُرُوطَهُ) لِلِاخْتِلَافِ فِي الشُّرُوطِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مَعَ جَهْلِهِ بِهَا. (لَا إنْ ادَّعَى) زَوْجٌ (اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ)، فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَقْدًا، وَإِنَّمَا يَدَّعِي خُرُوجَهَا عَنْ طَاعَتِهِ (وَيَجْزِي عَنْ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ) الْمُدَّعِي نِكَاحَهَا، (إنْ غَابَتْ ذِكْرُ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا، وَإِنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ النِّكَاحَ (الْمَرْأَةُ وَادَّعَتْ مَعَهُ) أَيْ النِّكَاحِ (نَفَقَةً أَوْ مَهْرًا وَنَحْوَهُمَا) كَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ (سُمِعَتْ دَعْوَاهَا)؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقًّا لَهَا تُضِيفُهُ إلَى سَبَبٍ أَشْبَهَ سَائِرَ الدَّعَاوَى، (وَإِلَّا) تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ (فَلَا) تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِحَقٍّ لِغَيْرِهَا. (وَمَتَى جَحَدَ) الزَّوْجُ (الزَّوْجِيَّةَ وَنَوَى بِهِ) أَيْ بِجَحْدِهِ (الطَّلَاقَ، لَمْ تَطْلُقْ) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ النِّكَاحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. وَفِي الْإِقْنَاعِ وَلَا يَكُونُ جُحُودُهُ طَلَاقًا وَلَوْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ هُنَا لِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ لِعَدَمِ عَقْدٍ أَوْ لِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ. (وَمَنْ ادَّعَى قَتْلَ مُوَرِّثِهِ ذَكَرَ الْمُدَّعِي (الْقَتْلَ وَكَوْنُهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً وَيَصِفُهُ) لِاخْتِلَافِ الْحَالِ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. (وَ) ذَكَرَ (أَنَّ الْقَاتِلَ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ أَنَّهُ شُورِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ. (وَلَوْ قَالَ) مُدَّعٍ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَدَّهُ) أَيْ مُوَرِّثُهُ (نِصْفَيْنِ وَكَانَ حَيًّا) حِينَ قَدَّهُ (أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ) فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ (صَحَّ)، فَيُطَالِبُ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ. (وَإِنْ ادَّعَى) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ (إرْثًا ذَكَرَ سَبَبَهُ) وُجُوبًا لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَكَذَا الدَّعْوَى. (وَإِنْ ادَّعَى مُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ قَوَّمَهُ بِ) النَّقْدِ (الْآخَرِ)، فَإِنْ ادَّعَى مُحَلًّى بِذَهَبٍ قَوَّمَهُ بِفِضَّةٍ وَإِنْ ادَّعَى مُحَلًّى بِفِضَّةٍ قَوَّمَهُ بِذَهَبٍ لِئَلَّا يُفْضِيَ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ إلَى الرِّبَا. قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مَصُوغًا مِنْ أَحَدِهِمَا صِيَاغَةً مُبَاحَةً تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ عَنْ وَزْنِهِ أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ. (وَ) إنْ ادَّعَى مُحَلًّى (بِهِمَا) أَيْ مَصُوغًا مِنْهُمَا مُبَاحًا تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَنْ وَزْنِهِ، (فَبِأَيِّهِمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ (شَاءَ) يُقَوَّمُ (لِلْحَاجَةِ) أَيْ انْحِصَارِ الثَّمَنِيَّةِ فِيهِمَا فَإِذَا ثَبَتَ أَعْطَى عُرُوضًا.
وَإِذَا حَرَّرَهَا الْمُدَّعِي أَيْ الدَّعْوَى (فَلِلْحَاكِمِ سُؤَالُ خَصْمِهِ) عَنْهَا، (وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ) الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ (سُؤَالَهُ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِلْقَاضِي: اسْأَلْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إحْضَارَهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ إنَّمَا تُرَادُ لِذَلِكَ، (فَإِنْ أَقَرَّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى (لَمْ يَحْكُمْ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِسُؤَالِهِ) الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْحَاكِمُ إلَّا بِمَسْأَلَةٍ، فَإِنْ سَأَلَهُ قَالَ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَخْرِجْ لَهُ مِنْ حَقِّهِ أَوْ قَضَيْتُ عَلَيْكَ لَهُ أَوْ أَلْزَمْتُك بِحَقِّهِ أَوْ حَكَمْت عَلَيْك بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الدَّعْوَى (بِأَنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِمُدَّعٍ قَرْضًا أَوْ) لِمُدَّعٍ (ثَمَنًا: مَا أَقْرَضَنِي أَوْ) قَالَ: (مَا بَاعَنِي أَوْ) قَالَ: (مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ أَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ صَحَّ الْجَوَابُ) لِنَفْيِهِ عَيْنَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ كُلَّ حَقٍّ (مَا لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِسَبَبِ الْحَقِّ)، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَمَا بَعْدَهُ جَوَابًا، فَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا عَلَى مُعْتَرِفٍ بِزَوْجِيَّتِهَا فَقَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ قَرْضًا فَاعْتَرَفَ بِهِ وَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لِثُبُوتِ سَبَبٍ الْحَقُّ، وَالْأَصْلُ: بَقَاؤُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مُزِيلُهُ، (وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ) مَرِيضَةٌ (بِمَرَضِهَا) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ (أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا) عَلَى زَوْجِهَا، (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهَا ذَلِكَ. (إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ) نَصًّا نَقَلَهُ مُهَنَّا، (أَوْ) أَنَّهَا (أَسْقَطَتْهُ عَنْهُ فِي الصِّحَّةِ) يَعْنِي فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. (وَ) لَوْ قَالَ مُدَّعٍ لِمُدَّعًى عَلَيْهِ: (لِي عَلَيْك مِائَةٌ) أُطَالِبُك بِهَا (فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَيْسَ لَك) عَلَيَّ (مِائَةٌ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا)؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمِائَةِ لَا يَنْفِي مَا دُونَهَا (كَيَمِينٍ)، فَيَحْلِفُ إذَا وُجِّهَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْمِائَةِ، (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (عَمَّا دُونَ الْمِائَةِ) بِأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِائَةً وَنَكَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: وَلَا شَيْءَ مِنْهَا (حُكِمَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ (بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا) مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ. (وَمَنْ أَجَابَ مُدَّعِيَ اسْتِحْقَاقِ مَبِيعٍ بِقَوْلِهِ هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ) مَثَلًا (وَهُوَ مِلْكُهُ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ رُجُوعَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى بَائِعِهِ (بِثَمَنِ) الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا أَثْبَتَهُ رَبُّهُ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. وَالثَّانِي: هُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمَتْنِ فِي الْغَصْبِ تَبَعًا لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ (كَمَا لَوْ أَجَابَ) مُشْتَرٍ (بِمُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ) أَنَّهُ لَهُ (أَوْ اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ سَابِقٍ) عَلَى شِرَائِهِ، فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، (أَوْ) اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ (مُطْلَقٍ) عَنْ التَّارِيخِ فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَلَوْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِمُدَّعٍ دِينَارًا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً صَحَّ الْجَوَابُ، وَيَعُمُّ الْحَبَّاتِ) أَيْ حَبَّاتِ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَيَعُمُّ (مَا لَمْ يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ) أَيْ مَا دُونَهَا (مِنْ بَابِ الْفَحْوَى)، أَوْ يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ الدِّينَارِ، وَلَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ شَيْءٍ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ وَإِنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ الشَّيْءِ وَلَوْ قَالَ لَهُ لَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْكَ دِرْهَمٌ وَلَا دَانِقٌ وَإِنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفٌ قُبِلَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ صَحَّ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَزَجِيُّ. (وَلِمُدَّعٍ) أَنْكَرَ خَصْمُهُ (أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ)؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُهَا (وَلِلْحَاكِمِ) إنْ لَمْ يَقُلْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ (أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَلَك بَيِّنَةٌ؟) لِمَا رُوِيَ " {أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضْرَمِيٌّ وَكِنْدِيٌّ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي وَفِي يَدِي فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَقَالَ: لَا قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ} وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ. (فَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ) سَأَلَهُ حَاكِمٌ: أَلَك بَيِّنَةٌ فَقَالَ: (نَعَمْ قَالَ لَهُ) الْحَاكِمُ: (إنْ شِئْت فَأَحْضِرْهَا فَإِذَا أَحْضَرَهَا لَمْ يَسْأَلْهَا) الْحَاكِمُ عَمَّا عِنْدَهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِهِ، (وَلَمْ يُلَقِّنْهَا) الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ بَلْ إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهُ الْبَيِّنَةَ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلْيَذْكُرْهَا إنْ شَاءَ وَلَا يَقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ: مَا أَنَا دَعَوْتُكُمَا وَلَا أَنْهَاكُمَا أَنْ تَرْجِعَا وَمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ غَيْرُكُمَا وَإِنِّي بِكُمَا أَقْضِي الْيَوْمَ وَبِكُمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، (فَإِذَا شُهِدَتْ) عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ (سَمِعَهَا وحَرُمَ) عَلَيْهِ (تَرْدِيدُهَا، وَيُكْرَهُ) لَهُ (تَعَنُّتُهَا) أَيْ طَلَبُ زِلَّتِهَا (وَانْتِهَارُهَا) أَيْ زَجْرُهَا لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْكِتْمَانِ، (وَلَا) يُكْرَهُ (قَوْلُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِمُدَّعًى عَلَيْهِ أَلَك فِيهَا دَافِعٌ أَوْ مَطْعَنٌ)، بَلْ يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك فَإِنْ كَانَ لَكَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ لِي، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا، (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ) بِقَادِحٍ (وَاتَّضَحَ) لِلْحَاكِمِ (الْحُكْمُ وَكَانَ الْحَقُّ. لِمُعَيَّنٍ وَسَأَلَهُ) أَيْ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ (لَزِمَهُ) الْحُكْمُ فَوْرًا وَلَا يَحْكُمُ بِدُونِ سُؤَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَحْرُمُ) الْحُكْمُ (وَلَا يَصِحُّ مَعَ عِلْمِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (بِضِدِّهِ) أَيْ ضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ (أَوْ مَعَ لَبْسٍ قَبْلَ الْبَيَانِ) وَيَأْمُرُ بِالصُّلْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ} وَمَعَ عِلْمِهِ بِضِدِّهِ أَوْ اللَّبْسِ لَمْ يُرِهِ شَيْئًا يَحْكُمُ بِهِ. (وَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ) وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ طَلَبَ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ، (وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ) مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ، فَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ (وَلَهُ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ غَيْرُهُ) نَصًّا نَقَلَهُ حَرْبٌ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، فَجَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِمَا إذَا سَمِعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا " {إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. فَجَعَلَ مُسْتَنَدَ قَضَائِهِ مَا يَسْمَعُهُ لَا غَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَبِسَمَاعِهِ أَوْلَى، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ و(لَا) يَحْكُمُ قَاضٍ (بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (وَلَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ) لِلْخَبَرِ وَلِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: " لَوْ رَأَيْت حَدًّا عَلَى رَجُلٍ لَمْ آخُذْهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ " وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي يُؤَدِّي إلَى تُهْمَتِهِ وَحُكْمِهِ بِمَا يَشْتَهِي مَعَ الْإِحَالَةِ عَلَى عِلْمِهِ، لَكِنْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ لِلْحَاكِمِ عَلَى سَمَاعِهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَيِّنَاتِ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْحَاكِمِ تُهْمَةٌ إذَا اسْتَنَدَ إلَيْهَا فَحُكْمُهُ بِهَا حُكْمٌ بِحُجَّةٍ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. ذَكَرَهُ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ (إلَّا عَلَى) رِوَايَةٍ (مَرْجُوحَةٍ) قَالَ (الْمُنَقَّحُ: وَقَرِيبٌ مِنْهَا) أَيْ. مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ أَفْرَادِهَا (الْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ بِصُورَةٍ تُسَمَّى (بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ، بِأَنْ يُوَلِّيَ الشَّاهِدَ الْبَاقِي) مِنْ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ رَفِيقِهِ (الْقَضَاءَ لِلْعُذْرِ) فَيَقْضِي بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ، (وَقَدْ عَمِلَ بِهِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ (كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِنَا وَأَعْظَمُهُمْ الشَّارِحُ) أَيْ شَارِحُ الْمُقْنِعِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى حَاكِمٍ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ، (وَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَةٍ وَجَرْحِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّينَ أَوْ جَرْحِهِمْ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمٍ فِي ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْ الْمُزَكِّينَ إلَى مُزَكِّينَ ثُمَّ يَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى مُزَكِّينَ وَهَكَذَا. (وَمَنْ جَاءَ) مِنْ الْمُدَّعِينَ (بِبَيِّنَةٍ فَاسِقَةٍ اسْتَشْهَدَهَا الْحَاكِمُ) لِئَلَّا يَفْضَحَهَا، (وَقَالَ) لِمُدَّعٍ (زِدْنِي شُهُودًا) وَلَمْ يَقْبَلْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}.
وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَكَذَا تُعْتَبَرُ بَاطِنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَقَوْلِهِ: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ كَذِبُهُ (إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) فَتَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا فَلَا يَبْطُلُ لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ، وَتَقَدَّمَ وَاخْتَارَ الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ لِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَوْلِ عُمَرَ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ خَفِيٌّ سَبَبُهُ الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُهُ الْإِسْلَامُ، فَإِذَا وُجِدَ اكْتَفِي بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَقَوْلُهُمْ: ظَاهِرُ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الظَّاهِرُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إظْهَارُ الطَّاعَةِ وَإِسْرَارُ الْمَعْصِيَةِ، وَقَوْلُ عُمَرَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: لَسْتُ أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمَا، وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ صَحَابِيٌّ وَهُمْ عُدُولٌ. (وَ) يُعْتَبَرُ (فِي مُزَكُّونً مَعْرِفَةُ حَاكِمٍ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَكَوْنِهِ جَارًا لَهُمَا، (وَ) يُعْتَبَرُ (مَعْرِفَتُهُمْ) أَيْ الْمُزَكِّينَ (كَذَلِكَ) أَيْ كَالْمَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (لِمَنْ يُزَكُّونَ) هـ مِنْ الشُّهُودِ. (وَيَكْفِي) فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا: (أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: أَرْضَاهُ لِي وَعَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ قَبُولُهُ عَلَى مُزَكِّيهِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا (وَبَيِّنَةٌ بِجَرْحٍ مُقَدَّمَةٌ) عَلَى بَيِّنَةٍ بِتَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ خَفِيٍّ عَلَى الْعَدْلِ وَشَاهِدُ الْعَدَالَةِ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِحَ مُثْبِتٌ لِجَرْحٍ وَالْمُعَدِّلَ نَافٍ لَهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَإِذَا عَصَى فِي بَلَدِهِ فَانْتَقَلَ مِنْهُ فَجَرَّحَهُ اثْنَانِ فِي بَلَدِهِ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، قُدِّمَتْ التَّزْكِيَةُ وَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ بِخِلَافِ الْجَرْحِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ) لِشَاهِدٍ عَلَيْهِ تَعْدِيلٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ لِحَقِّهِ؛ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِعَدَالَتِهِ إقْرَارٌ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ. (أَوْ تَصْدِيقُهُ) أَيْ الْخَصْمِ (لِلشَّاهِدِ) عَلَيْهِ (تَعْدِيلٌ لَهُ) فَيُؤْخَذُ بِتَصْدِيقِهِ الشَّاهِدَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدُونِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، (وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِ مُزَكٍّ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَقَطْ، وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً) بِأَنْ شَهِدَ فَعُدِّلَ ثُمَّ شَهِدَ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى (لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ) بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَغَيَّرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ تَطُلْ عُرْفًا لَمْ يَبْحَثْ عَنْ عَدَالَتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهَا. (وَمَتَى ارْتَابَ) الْحَاكِمُ (مِنْ عَدْلَيْنِ لَمْ يَخْتَبِرْ قُوَّةَ ضَبْطِهِمَا وَ) قُوَّةَ (دِينِهِمَا لَزِمَهُ الْبَحْثُ) عَمَّا شَهِدَا بِهِ (بِسُؤَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (مُنْفَرِدًا عَنْ كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ)، بِأَنْ يَقُولَ: هَلْ رَأَيْتَ مَا شَهِدْتَ بِهِ أَوْ أَخْبَرْتَ بِهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَكَ بِهِ؟ (وَمَتَى) تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ؟ لِيَذْكُرَ تَارِيخَ التَّحَمُّلِ (وَأَيْنَ) تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ أَفِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ بَيْتٍ وَنَحْوِهِ؟ (وَ) يَسْأَلُهُ (هَلْ تَحَمَّلَ) الشَّهَادَةَ (وَحْدَهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ حِينَ التَّحَمُّلِ؟ (أَوْ) كَانَ (مَعَ صَاحِبِهِ؟ فَإِنْ اتَّفَقَا) فِي جَوَابِهِمَا عَنْ ذَلِكَ (وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا) لِحَدِيثِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: " كُنْت عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَ لَهُ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَقَدْ كَذَبَا عَلَيَّ وَكَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " {إنَّ الطَّيْرَ لَتَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَرْمِي بِمَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ} " فَإِنْ صَدَقْتُمَا فَاثْبُتَا وَإِنْ كَذَبْتُمَا فَغَطِّيَا رُءُوسَكُمَا وَانْصَرِفَا، فَغَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَانْصَرَفَا. (فَإِنَّ ثَبَتَا) بَعْدَ وَعْظِهِمَا (حَكَمَ) بِشَهَادَتِهِمَا بِسُؤَالِ مُدَّعٍ، (وَإِلَّا) يَثْبُتَا (لَمْ يَقْبَلْهُمَا) قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. (وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِدَعْوَاهُ (وَسَأَلَ حَبْسَ خَصْمِهِ) فِي غَيْرِ حَدٍّ حَتَّى تُزَكَّى بَيِّنَتُهُ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُقَالُ لَهُ: إنْ جِئْتَ بِالْمُزَكِّينَ فِيهَا وَإِلَّا أَطْلَقْنَاهُ (أَوْ) أَقَامَ بَيِّنَةً لَهُ وَسَأَلَ (كَفِيلًا بِهِ) أَيْ بِخَصْمِهِ (فِي غَيْرِ حَدٍّ) حَتَّى تُزَكَّى شُهُودُهُ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، (أَوْ) أَقَامَ بَيِّنَةً وَسَأَلَ (جَعْلَ مُدَّعًى بِهِ) مِنْ عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ (بِيَدِ عَدْلٍ حَتَّى تُزَكَّى) بَيِّنَتُهُ، أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَوْ أَقَامَ) مُدَّعٍ (شَاهِدًا) عَلَى خَصْمِهِ (بِمَالٍ وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَحْثِ فِيهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، بَلْ فِي حَبْسِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُدَّعِي إحْضَارُ الْمُزَكِّينَ أَوْ الشَّاهِدِ الثَّانِي فِيهَا غَالِبًا. و(لَا) يُحْبَسُ مُدَّعًى عَلَيْهِ (إنْ أَقَامَهُ) أَيْ الشَّاهِدَ مُدَّعٍ (بِغَيْرِ مَالٍ) وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ، (فَإِنْ جَرَحَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (الْخَصْمُ أَوْ أَرَادَ جَرْحَهَا كُلِّفَ) الْخَصْمُ (بِهِ) أَيْ الْجَرْحِ (بَيِّنَةً) لِحَدِيثِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي (وَيُنْظَرُ لِجَرْحٍ وَإِرَادَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَإِنَّ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتُ لَهُ حَقَّهُ، وَإِلَّا اسْتَحْلَلْت الْقَضِيَّةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَنْفَى لِلشَّكِّ وَأَجْلَى لِلْفَهْمِ (وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي) فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ لِئَلَّا يَهْرَبَ فَيَضِيعَ حَقُّهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا، (فَإِنْ أَتَى بِهَا) أَيْ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عُمِلَ بِهَا، (وَإِلَّا) يَأْتِ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (حُكِمَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ مُدَّعَاهُ مِنْ الْجَرْحِ. (وَلَا يُسْمَعُ جَرْحٌ لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ بِذِكْرِ قَادِحٍ فِيهِ عَنْ رُؤْيَةٍ) كَقَوْلِهِ: رَأَيْته يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ رَأَيْتُهُ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا وَنَحْوَهُ أَوْ سَمِعْته يَقْذِفُ وَنَحْوَهُ (أَوْ اسْتِفَاضَةٍ) بِأَنْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ ذَلِكَ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَشَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ فَقَدْ يُجَرِّحُهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جَرْحًا (وَيُعَرِّضُ جَارِحٌ بِزِنًا) أَوْ لِوَاطٍ، (فَإِنْ صَرَّحَ وَلَمْ تَكْمُلْ بَيِّنَتُهُ) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ (حُدَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ...} الْآيَةَ. وَإِنْ أَقَامَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِهَذَا الْمُدَّعَى بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا إذَا رُدَّتْ لِفِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ مَرَّةً ثَانِيَةً. (وَإِنْ جَهِلَ حَاكِمٌ لِسَانَ خَصْمٍ تَرْجَمَ لَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ عَنْ الْخَصْمِ (مَنْ يَعْرِفُهُ) أَيْ لِسَانَ الْخَصْمِ قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْت أُتَرْجِمُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ قَالَ: حَتَّى كُنْت أَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتُبَهُ وَأَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (وَلَا يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَ) فِي (جَرْحٍ وَ) فِي (تَعْدِيلٍ وَ) فِي (رِسَالَةٍ) أَيْ مَنْ يُرْسِلُهُ الْحَاكِمُ يَبْحَثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، (وَ) فِي (تَعْرِيفٍ عِنْدَ حَاكِمٍ) وَأَمَّا التَّعْرِيفُ عِنْدَ شَاهِدٍ فَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ (فِي) حَدِّ (زِنًا) وَلِوَاطٍ، (إلَّا أَرْبَعَةُ) رِجَالٍ عُدُولٍ كَشُهُودِ الْأَصْلِ، (و) لَا يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا (فِي غَيْرِ مَالٍ) كَنِكَاحٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَقِصَاصٍ (إلَّا رَجُلَانِ وَ) لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ (فِي مَالٍ إلَّا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)؛ لِأَنَّ نَقْلَ مَا يَخْفَى عَلَى الْحَاكِمِ بِمَا يَسْتَنِدُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ (؛ وَذَلِكَ شَهَادَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِيمَنْ يُتَرْجِمُ أَوْ يُجَرِّحُ أَوْ يُعَدِّلُ أَوْ يُرْسِلُ أَوْ يُعَرِّفُ، (وَفِيمَنْ رَتَّبَهُ حَاكِمٌ يَسْأَلُ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ) الْآتِيَةُ. (وَتَجِبُ الْمُشَافَهَةُ) فِيمَنْ يُعَدِّلُ أَوْ يُجَرِّحُ وَنَحْوَهُ فَلَا تَكْفِي كِتَابَتُهُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ ضِدُّهُ وَنَحْوُهُ كَالشَّهَادَةِ، وَإِذَا رَتَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَصَنَائِعَهُمْ وَمَعَايِشَهُمْ وَمَوْضِعَ مَسَاكِنِهِمْ وَصَلَاتَهُمْ؛ لِيَسْأَلَ عَنْهُمْ أَهْلَ سُوقِهِمْ وَمَسْجِدِهِمْ وَجِيرَانَهُمْ وَكَتَبَ حِلَاهُمْ كَأَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَنْزَعَ أَوْ أَغَمَّ أَشْهَلَ أَوْ أَكْحَلَ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ أَفْطَسَ رَقِيقِ الشَّفَتَيْنِ أَوْ غَلِيظَهُمَا طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ أَوْ رَبْعَةٍ وَنَحْوِهِ لِلتَّمْيِيزِ، وَيَكْتُبُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَقَدْرَ الْحَقِّ فَيَكْتُبُ لِكُلٍّ مِمَّنْ يُرْسِلُهُ رُقْعَةً بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ لِئَلَّا يُسْتَمَالُوا بِنَحْوِ هَدِيَّةٍ وَأَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْعَصَبِيَّةِ، وَأَنْ يَكُونُوا أَصْحَابَ عِفَّةٍ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ الْوَافِرَةِ بَرَاءً مِنْ الشَّحْنَاءِ وَالْبَغْضَاءِ فَإِذَا رَجَعُوا فَأَخْبَرَ اثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ قَبِلَ الشَّهَادَةَ، وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ رَدَّهَا، وَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدَهُمَا بِالْجَرْحِ وَالْآخَرُ بِالْعَدَالَةِ بَعَثَ آخَرَيْنِ، فَإِنْ عَادَا وَأَخْبَرَا بِالتَّعْدِيلِ تَمَّتْ بَيِّنَتُهُ وَسَقَطَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَمْ تَتِمَّ وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ ثَبَتَ وَسَقَطَ التَّعْدِيلُ. (وَمَنْ نُصِبَ لِلْحُكْمِ فِي جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ أَوْ) نُصِبَ ل (سَمَاعِ بَيِّنَةٍ قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُكَّامِ. (وَمَنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ أَخْبَرَ) وُجُوبًا بِالْوَاقِعِ، (وَإِلَّا) يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ.
وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَا لِي بَيِّنَةٌ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ بِيَمِينِهِ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) لِعِصْمَتِهِ (فَيُعْلِمُهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (حَاكِمٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ: " {أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي، وَقَالَ الْكِنْدِيُّ أَرْضِي وَفِي يَدِي لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ. فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ قَالَ: لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فَإِنْ سَأَلَ) الْمُدَّعِي (إحْلَافه) أَيْ الْمُنْكِرِ، (وَلَوْ عُلِمَ) وَقْتَ إحْلَافه (عَدَمُ قُدْرَتِهِ) أَيْ الْمُنْكِرِ (عَلَى حَقِّهِ، وَيُكْرَهُ) لَهُ إحْلَافه إذَنْ لِئَلَّا يَضْطَرَّهُ إلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَبْسِ إذَا أَقَرَّ لِعُسْرَتِهِ، (أُحْلِفَ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ) نَصًّا لَا عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ. (وَ) إذَا حَلَفَ (خَلَّى) سَبِيلَهُ لِانْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: " {لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ} ". (وَتَحْرُمُ دَعْوَاهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (ثَانِيًا وَتَحْلِيفُهُ) أَيْضًا (كَبَرِيءٍ) أَيْ كَمَا تَحْرُمُ دَعْوَاهُ عَلَى بَرِيءٍ وَتَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِيَمِينِ) مُنْكِرٍ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (بِأَمْرِ حَاكِمٍ) و(سُؤَالِ مُدَّعٍ طَوْعًا) فَإِنْ حَلَفَ بِلَا أَمْرِ حَاكِمٍ أَوْ حَلَّفَهُ حَاكِمٌ بِلَا سُؤَالِ مُدَّعٍ أَوْ بِسُؤَالِهِ كُرْهًا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْيَمِينُ، فَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ إعَادَتَهَا أَعَادَهَا. (وَلَا يَصِلُهَا) أَيْ الْيَمِينَ مُنْكِرٌ (بِاسْتِثْنَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ حُكْمَهَا قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَكَذَا بِمَا لَا يُفْهَمُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِمُ الْمُحَلِّفُ لَهُ. (وَتَحْرُمُ تَوْرِيَةٌ) فِي حَلِفٍ، وَهِيَ إطْلَاقُ لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَيُرَادُ الْبَعِيدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ، (وَ) يَحْرُمُ (تَأْوِيلٌ) فِي حَلِفٍ بِأَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، (إلَّا لِ) حَالِفٍ (مَظْلُومٍ) فَتَجُوزُ لَهُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ. (وَ) يَحْرُمُ (حَلِفُ مُعْسِرٍ خَافَ حَبْسًا) إنْ أَقَرَّ بِمَا عَلَيْهِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ وَلَوْ نَوَى) لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ (السَّاعَةَ)، لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا خَافَ حَبْسًا أَوْ لَا. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ خَافَ حَبْسًا. (وَ) يَحْرُمُ حَلِفُ (مَنْ عَلَيْهِ) دَيْنٌ (مُؤَجَّلٌ أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ) فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ السَّاعَةَ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ. (وَلَا يَحْلِفُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ (فِي) شَيْءٍ (مُخْتَلَفٍ فِيهِ، لَا يَعْتَقِدُهُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقًّا (نَصًّا وَحَمَلَهُ) أَيْ النَّصِّ (الْمُوَفَّقُ عَلَى الْوَرَعِ) دُونَ التَّحْرِيمِ، (وَنُقِلَ عَنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (لَا يُعْجِبُنِي) أَيْ أَنْ يَحْلِفَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَعْتَقِدُهُ نَحْوَ إنْ بَاعَ شَافِعِيٌّ لَحْمَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لِحَنْبَلِيٍّ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ مُجِيبًا: لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِيهَا) أَيْ الْيَمِينِ (فِيمَنْ عَامَلَ بِحِيلَةٍ) رِبَوِيَّةٍ (كَعِينَةٍ) إذَا أَنْكَرَ الْآخِذُ الزِّيَادَةَ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهَا هَلْ يَحْلِفُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ، نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ فَإِنْ أَمْسَكَ مُدَّعٍ عَنْ إحْلَاف خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ ثُمَّ أَرَادَ إحْلَافه بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا. و(لَوْ أُبْرِئَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (مِنْهَا) أَيْ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ لَهُ مُدَّعٍ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْيَمِينِ (بَرِئَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهَا (فِي هَذِهِ الدَّعْوَى) فَقَطْ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِ، (فَلَوْ جَدَّدَهَا) أَيْ اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ (وَطَلَبَ) الْمُدَّعِي (الْيَمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَحْلِفْ مَرَّةً أُخْرَى. (وَمَنْ) أَنْكَرَ فَوُجِّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ (فَلَمْ يَحْلِفْ) وَامْتَنَعَ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ) نَصًّا، (وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ) أَيْ قَوْلِهِ: إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ (ثَلَاثًا) قَطْعًا لِحُجَّتِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ) الْقَاضِي (بِشَرْطِهِ) أَيْ بِأَنْ يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ لِحَدِيثِ " {شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ} " حَيْثُ حُصِرَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ تُشْرَعْ لِغَيْرِهِ. وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا وَادَّعَى عَلَيْهِ زَيْدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَأَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَتَحَاكَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: احْلِفْ أَنَّك مَا عَلِمْت بِهِ عَيْبًا فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ "، (وَهُوَ) أَيْ النُّكُولُ (كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) بِمُوجَبِ الدَّعْوَى عَلَى نَاكِلٍ (لَا كَإِقْرَارٍ)؛ لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مُتَوَرِّعٌ عَنْ الْيَمِينِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ نُكُولِهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَشَهَادَةٌ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ؟ (وَلَا كَبَذْلٍ) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ وَتَبَرُّعٌ، وَالنَّاكِلُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، فَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَدَلًا لَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَحَيْثُ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَذْلِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ، وَنُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ. الصَّادِقَةِ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى خَصْمِهِ. (لَكِنْ لَا يُشَارِكُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ) أَيْ النُّكُولِ (عَلَى مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (لِفَلَسٍ غُرَمَاءَهُ) أَيْ الْمُفْلِسِ الثَّابِتِ حَقُّهُمْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ تَوَاطُؤِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِيَقْطَعَا بِذَلِكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْحَجْرِ. (وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ: (لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً ثُمَّ أَتَى بِهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَنَفْيُ الْعِلْمِ لَا يَنْفِيهَا فَلَا تَكْذِيبَ لِنَفْسِهِ (أَوْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ بَيِّنَةٍ لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً فَقَالَ (عَدْلَانِ: نَحْنُ نَشْهَدُ لَك فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَتِي سُمِعَتْ) لِمَا سَبَقَ. و(لَا) تُسْمَعُ (إنْ قَالَ) مُدَّعٍ (مَا لِي بَيِّنَةٌ ثُمَّ أَتَى بِهَا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا (أَوْ قَالَ:) مَنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (كَذَبَ شُهُودِي أَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي: (كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ، وَ) فَهِيَ (بَاطِلَةٌ أَوْ، فَلَا حَقَّ لِي فِيهَا)، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بَعْدُ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ، (وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الْمُدَّعَى، فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ. (وَلَا تُرَدُّ) الْبَيِّنَةُ (بِذِكْرِ السَّبَبِ) إذَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ، لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ إذَنْ، (بَلْ) تُرَدُّ (بِذِكْرِ سَبَبٍ ذَكَرَ الْمُدَّعِي) فِي دَعْوَاهُ سَبَبًا (غَيْرَهُ) كَأَنْ طَالَبَهُ بِأَلْفٍ قَرْضًا فَأَنْكَرَهُ، فَشَهِدَتْ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ غَصْبٍ لِلتَّنَافِي، (وَمَعْنَى شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (بِغَيْرِ مُدَّعًى بِهِ) كَأَنْ ادَّعَى دِينَارًا فَشَهِدَتْ بِدَرَاهِمَ أَوْ فِضَّةً، فَشَهِدَتْ بِفُلُوسٍ أَوْ بِغَصْبِ فَرَسٍ، فَشَهِدَتْ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، (فَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (مُكَذِّبٌ لَهَا) أَيْ لِشَهَادَتِهَا نَصًّا فَلَا تُسْمَعُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ إنْ قَالَ: أَسْتَحِقُّهُ وَمَا شَهِدُوا بِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْت بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ الْآخَرَ وَقْتًا آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ ثُمَّ شَهِدُوا بِهِ قُبِلَتْ. (وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا أَنَّهُ لَهُ) أَيْ يَمْلِكُهُ (الْآنَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) إنْ شَهِدَتْ (أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ أَوْ) أَنَّهُ كَانَ (فِي يَدِهِ) أَمْسِ لِعَدَمِ التَّطَابُقِ، (حَتَّى تُبَيِّنَ) الْبَيِّنَةُ (سَبَبَ يَدِ الثَّانِي نَحْوِ غَاصِبَةٍ) أَوْ مُسْتَعِيرَةٍ، (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ). وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا قَبْلُ وَقَالَ: لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: إنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُ الْحَقِّ، وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ بِمَثْبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ لَا يُنْتَزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَيْنِ تَعَارَضَا وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمَا الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةَ وَلَوْ فُتِحَ هَذَا لَانْتُزِعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارَاتِ النَّاسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ؛ لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَآخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ. (وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَأَقَرَّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ) مَا أَقَرَّ بِهِ (إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) لِحَدِيثِ " {لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ} " (وَالدَّعْوَى) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا) نَصًّا فَلَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهَا أَوْ تَحْلِيفُهُ. (وَإِنْ سَأَلَ) مُدَّعٍ لَهُ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ (إحْلَافَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (وَلَا يُقِيمُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (فَحَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (إقَامَتُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِحْلَافِ كَمَا لَوْ غَابَتْ عَنْ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ لِمُدَّعٍ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْمَالِ وَأَقَامَهُ، عَرَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقَّ فَإِنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ اسْتَحْلَفَ لَهُ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ، كَأَنْ عَادَ الْمُدَّعِي وَقَالَ: أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ نَقْلُهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، وَقَطَعَ فِي الْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَالْمُنْصِفِ فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ يُسْتَحْلَفُ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ حَلِفِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَبَذَلَ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ، وَإِنْ وَجَدَ مُدَّعٍ مَعَ شَاهِدِهِ آخَرَ فَشَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحَقٍّ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَضَى لَهُ بِهَا. (وَإِنْ قَالَ) مُدَّعٍ: (لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ فَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا) أَيْ الْبَيِّنَةُ أَوْ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ لِحَدِيثِ: " شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ " وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَإِمْكَانَ فَصْلِ الْخُصُومَةِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يُشْرَعْ غَيْرُهَا مَعَ إرَادَةِ مُدَّعٍ إقَامَتَهَا وَحُضُورَهَا؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَدَلِهَا كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا، (وَإِلَّا) تَكُنْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ تَحْلِيفُهُ ثُمَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ صَدَّقَ الْبَيِّنَةَ فُجُورُ الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتَكُونُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ وَجَبَ فِيهَا الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا قَبْلَ الْيَمِينِ. (وَإِنْ سَأَلَ) مُدَّعٍ (مُلَازَمَتَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يُقِيمَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ) حَيْثُ أَمْكَنَ إحْضَارُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ إقَامَتِهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَتْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهَا فَإِنْ إلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إلَى حُضُورِهَا يَحْتَاجُ إلَى حَبْسٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا) الْمُدَّعِي أَيْ الْبَيِّنَةَ (فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ (صَرَفَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا مُلَازَمَةَ لِغَرِيمِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ وَلَا يُقِيمُ بِهِ كَفِيلًا، وَلِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ ظَالِمٍ مِنْ حَبْسِ مَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ بِلَا حَقٍّ. (وَإِنْ سَأَلَهَا) أَيْ الْمُدَّعِي أَيْ مُلَازَمَةَ خَصْمِهِ (حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ مَعَ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ) مَعَ (بُعْدِهَا) بِضَمِّ الْبَاءِ، (أُجِيبَ) لِئَلَّا يَذْهَبَ الْخَصْمُ وَلَا يُمْكِنُ إقَامَتُهَا إلَّا بِحَضْرَتِهِ. (وَإِنْ سَكَتَ مُدَّعًى عَلَيْهِ) بِأَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّعْوَى وَلَمْ يُنْكِرْهَا (أَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ أَوْ) قَالَ: (لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ) لِمُدَّعٍ بِدَعْوَاهُ، (قَالَ الْحَاكِمُ) لِمُدَّعًى عَلَيْهِ: (إنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ) بِالنُّكُولِ (وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا) فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ كَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ. (وَلَوْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى أَلْفًا (إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا بِرَهْنِ كَذَا لِي بِيَدِك أَجَبْتُك) وَإِلَّا فَلَا حَقَّ عَلَيَّ، فَجَوَابٌ صَحِيحٌ (أَوْ) قَالَ: (إنْ ادَّعَيْتَ هَذَا) الْأَلْفَ (ثَمَنَ كَذَا بِعْتَنِيهِ وَلَمْ أَقْبِضْهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (فَنَعَمْ، وَإِلَّا) تَدَّعِهِ كَذَلِكَ (فَلَا حَقَّ) لَكَ (عَلَيَّ فَجَوَابٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ عَلَى قَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ بِنُكُولِهِ فِيمَا سِوَاهُ (لَا إنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِهِ: (لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ) فَلَيْسَ جَوَابًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ وَلَيْسَ هَذَا وَاحِدًا مِنْهُمَا. (وَإِنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى (لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ)، وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ أُنْظِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي فِيهَا؛ لَإِمْكَانَ مَا يَدَّعِيه، وَتَكْلِيفُهُ الْإِقْرَارَ فِي الْحَالِ إلْزَامٌ لَهُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَيُقِرُّ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَوَجَبَ إنْظَارُهُ مَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي إنْظَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (أَوْ) قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى) عَلَيْهِ (بَيِّنَةُ قَضِيَّتِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلِي بَيِّنَةٌ بِقَضَائِهِ (أَوْ) قَالَ: (أَبْرَأَنِي) مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ (وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ) أَيْ إبْرَائِهِ (وَسَأَلَهُ الْإِنْظَارَ لَزِمَ إنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ فِي الْحَالِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ وَإِنْظَارَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) زَمَنَ الْإِنْظَارِ لِئَلَّا يَهْرَبَ، وَظَاهِرُهُ لَا يَحْبِسُهُ وَعَمَلُ الْحَاكِمُ عَلَى خِلَافِهِ. (وَلَا يُنْظَرُ إنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّفْعِ، (فَإِنْ عَجَزَ) مُدَّعِي الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِنْظَارِ (حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ، (وَاسْتَحَقَّ) مَا ادَّعَى بِهِ (فَإِنْ نَكِلَ) عَنْ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ (حُكِمَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ (وَصُرِفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَنْ مُنْكِرٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَنَكِلَ عَنْهَا، فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَمَا لَوْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. (هَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إنْظَارِ مُدَّعِي الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ إنْ أَحْضَرَهَا بِذَلِكَ، (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْكَرَ سَبَبَ الْحَقِّ) ابْتِدَاءً، (فَأَمَّا إنْ) كَانَ (أَنْكَرَهُ ثُمَّ ثَبَتَ فَادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءَ) مُدَّعٍ لَهُ (سَابِقًا عَلَى) زَمَنِ (إنْكَارِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْهُ قَرْضٌ أَوْ ثَمَنُ مَبِيعٍ فَقَالَ مَا اقْتَرَضْت مِنْهُ، وَمَا اشْتَرَيْت مِنْهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ اقْتَرَضَ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ قَضَيْته أَوْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ. (وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً) نَصًّا؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الْحَقِّ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً بَعْدَ إنْكَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ كَالْإِقْرَارِ بِهِ فَيَكُونُ قَاضِيًا لِمَا هُوَ مُقِرٌّ بِهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهِ كَغَيْرِ الْمُنْكِرِ، وَإِبْرَاءُ الْمُدَّعِي بَعْدَ إنْكَارِهِ إقْرَارٌ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا تَنَافِيَ. (وَإِنْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ) جَوَابًا لِمُدَّعِيهَا (كَانَتْ بِيَدِك) أَمْسِ (أَوْ) كَانَتْ (لَك أَمْسِ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إثْبَاتُ سَبَبِ زَوَالِ يَدِهِ) أَيْ: الْمُدَّعِي عَنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْيَدِ أَوْ الْمِلْكِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَلَفَ مُدَّعٍ عَلَى بَقَائِهِ وَأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَأَخَذَهَا.
وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا بِيَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهَا (فَأَقَرَّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِهَا) أَيْ الْعَيْنِ (لِحَاضِرٍ مُكَلَّفٍ) غَيْرِ الْمُدَّعِي، (جُعِلَ) الْمُقَرُّ لَهُ (الْخَصْمَ فِيهَا) لِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْيَدِ بِنِيَابَةِ يَدِهِ عَنْ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ قَالَ: أَنَا مُسْتَأْجِرٌ مِنْهُ أَوْ مُسْتَعِيرٌ أَوْ لَا، وَحَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِمُدَّعٍ (فَإِنْ نَكِلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (أُخِذَ مِنْهُ) لِلْمُدَّعِي (بَدَلُهَا) كَإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا لِغَيْرِهِ، (ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (الْمُقَرُّ لَهُ) بِالْعَيْنِ أَنَّهَا مِلْكُهُ (فَهُوَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (كَأَحَدِ مُدَّعِيَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ أَقَرَّ لَهُ الثَّالِثُ عَلَى مَا يَأْتِي) فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ (لَيْسَتْ لِي، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ) وَجُهِلَ لِمَنْ هِيَ سُلِّمَتْ لِمُدَّعٍ، (أَوْ قَالَ: ذَلِكَ) أَيْ لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ (الْمُقَرُّ لَهُ، وَجُهِلَتْ لِمَنْ هِيَ سُلِّمَتْ لِمُدَّعٍ) بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا، (فَإِنْ كَانَ) مُدَّعِيهَا (اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَخَذَهَا وَحَلَفَ لِصَاحِبِهِ، (وَإِنْ عَادَ) الْمُقِرُّ بِالْعَيْنِ (ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ) ادَّعَاهَا (الثَّالِثُ) غَيْرُ مُدَّعِيهَا وَغَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا لَمْ يُقْبَلْ، (أَوْ عَادَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ) الْعَيْنَ (وَلَوْ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمُقِرُّ لِنَفْسِهِ (لَمْ يُقْبَلْ)؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: هِيَ لِفُلَانٍ أَوْ بِقَوْلِهِ: لَيْسَتْ لِي، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ لَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ خِلَافُهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ (بِهَا لِغَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ (أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ (وَلِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) شَهِدَتْ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، (فَهِيَ) أَيْ الْعَيْنُ (لَهُ) لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَسُمِعَتْ لِإِزَالَةِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ (بِلَا يَمِينٍ) اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ لِخَبَرِ: " {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ} (وَإِلَّا) يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ (فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا (لِمَنْ سَمَّاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا (لَمْ يَحْلِفْ) اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ، وَسُمِعَتْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ، وَلَا يُقْضَى بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْغَائِبِ وَلَمْ يَدَعْهَا هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ، قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي الْإِقْنَاعِ (وَإِلَّا) يُقِمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ لِمَنْ سَمَّاهُ (اُسْتُحْلِفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لِمُدَّعِيهَا، وَأُقِرَّتْ بِيَدِهِ لِانْدِفَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِالْيَمِينِ، (فَإِنْ نَكِلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (غَرِمَ بَدَلَهَا) أَيْ مِثْلَ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوَّمَةً (لِمُدَّعٍ) لِمَا سَبَقَ. (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ لَهَا (اثْنَيْنِ) كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا (فَ) عَلَى نَاكِلٍ (بَدَلَانِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلٌ، (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ (لِمَجْهُولٍ) بِأَنْ قَالَ: هِيَ لِإِنْسَانٍ لَا أُسَمِّيه وَلَا أَعْرِفُهُ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: عَرِّفْهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْك) بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لِمَجْهُولٍ عُدُولٌ عَنْ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْخَصْمَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَيِّنَهُ لِتَنْتَقِلَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ أَوْ تَدَّعِيَهَا لِنَفْسِك لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مَعَكَ أَوْ تُقِرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْك؛ فَإِنْ عَيَّنَ الْمَجْهُولَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِهَا، (فَإِنْ عَادَ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ جَوَابِهِ أَوَّلًا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَدَعْوَاهَا ثَانِيًا لِنَفْسِهِ مُخَالِفَةٌ لِدَعْوَاهُ الْأُولَى.
(مَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ (مَسَافَةَ قَصْرٍ بِغَيْرِ عَمَلِهِ) الْقَاضِي الْمُدَّعَى عِنْدَهُ (أَوْ) ادَّعَى عَلَى (مُسْتَتِرٍ إمَّا بِالْبَلَدِ أَوْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ) عَلَى (مَيِّتٍ أَوْ) عَلَى (غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ)، وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِيهِ (سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا) بِشَرْطِهِ لِحَدِيثِ هِنْدٍ قَالَتْ: " {يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي. قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ} " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَقَضَى لَهَا. وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: {إذَا تَقَاضَى إلَيْكَ رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا تَقْضِي} حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ، وَالْحَاضِرُ يُفَارِقُ الْغَائِبَ فَلَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ بِغَيْرِ عَمَلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ أَحْضَرَهُ لِيَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ هَكَذَا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَالِاخْتِيَارَاتِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ. وَأَمَّا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُسْتَتِرِ فَلِتَعَذُّرِ حُضُورِهِ كَالْغَائِبِ، بَلْ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ بِخِلَافِ الْمُتَوَارِي. وَرَوَى حَرْبٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: " {كَانَ الْخَصْمَانِ إذَا اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَذَ الْمَوْعِدُ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوَفِّ الْآخَرُ قَضَى لِلَّذِي وَفَّى} وَلِئَلَّا يُجْعَلَ الِاسْتِتَارُ وَسِيلَةً إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَكَذَا الْمَيْتُ وَالصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْغَائِبِ. و(لَا) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوَهُ (فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْضَى فِي سَرِقَةٍ) ثَبَتَتْ عَلَى غَائِبٍ (بِغُرْمٍ) مَالٍ مَسْرُوقٍ (فَقَطْ) دُونَ قَطْعٍ لِحَدِيثِ " {ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْكُومِ لَهُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ (يَمِينٌ عَلَى بَقَاءِ حَقٍّ) فِي ذِمَّةِ غَائِبٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ لِحَدِيثِ: " {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} فَحَصَرَ الْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَلَا يَجِبُ مَعَهَا الْيَمِينُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ (إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ) قَالَ (الْمُنَقَّحُ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ). اهـ. لِفَسَادِ أَحْوَالِ غَالِبِ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْفَى مَا شَهِدَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ مَلَّكَهُ الْعَيْنَ الَّتِي شَهِدَتْ لَهُ بِهَا الْبَيِّنَةُ، (ثُمَّ إذَا كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَرَشَدَ) بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، (أَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ أَوْ ظَهَرَ الْمُسْتَتِرُ فَ) هُوَ (عَلَى حُجَّتِهِ) إنْ كَانَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَصْلِ الْحَقِّ لَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْحَقَّ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَفَ عَلَى حُضُورِهِ، وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يُخْبِرُهُ الْحَاكِمُ بِالْحَالِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ. (فَإِنْ جَرَّحَ) مَحْكُومٌ عَلَيْهِ (الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا) بِأَنْ جَرَّحَهَا، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا قَبْلَهُ (لَمْ يُقْبَلْ) تَجْرِيحُهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَإِذَا أَطْلَقَ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا الْحُكْمُ يَبْطُلُ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْجَرْحِ بَعْدَهُ، (وَإِلَّا) بَانَ جَرْحُهَا بِأَمْرٍ قَبْلَ الْحُكْمِ (قُبِلَ) تَجْرِيحُهُ وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ. (وَالْغَائِبُ دُونَ ذَلِكَ) أَيْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (لَمْ تُسْمَعْ دَعْوًى) عَلَيْهِ (وَلَا بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ) مَجْلِسَ الْحُكْمِ (كَحَاضِرٍ)، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ سُؤَالُهُ فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ (إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ) الْحَاضِرُ بِالْبَلَدِ أَوْ الْغَائِبُ دُونَ الْمَسَافَةِ عَنْ الْحُضُورِ، (فَيَسْمَعَهُمَا) أَيْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، (ثُمَّ إنْ) كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَى الْغَائِبِ عَيْنًا سَلَّمَهَا الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا، فَإِنْ (وَجَدَ) الْحَاكِمُ (لَهُ مَالًا وَفَّاهُ) دَيْنَهُ (مِنْهُ)؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ظُلْمٌ لَهُ، (وَإِلَّا) يَجِدْ لِلْغَائِبِ مَالًا (قَالَ لِلْمُدَّعِي؛ إنْ عَرَفْتَ لَهُ) أَيْ الْغَائِبِ (مَالًا وَثَبَتَ عِنْدِي) أَنَّهُ مَالُهُ (وَفَّيْتُك مِنْهُ) دَيْنَك. (وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ لَا يَصِحُّ) لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ، (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِغَائِبٍ (تَبَعًا) لِمُدَّعٍ حَاضِرٍ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (كَمَنْ ادَّعَى مَوْتَ أَبِيهِ) أَوْ ادَّعَاهُ وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ (عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ أَوْ غَيْرِ رَشِيدٍ وَلَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عِنْدَ فُلَانٍ عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ فَثَبَتَ) الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى فُلَانٍ (بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ) أَوْ نُكُولٍ، (أَخَذَ الْمُدَّعِي) أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ (نَصِيبَهُ وَ) أَخَذَ (الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْآخَرَ) الْغَائِبِ أَوْ غَيْرِ الرَّشِيدِ، فَيَجْعَلُهُ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً أَوْ يُكْرِيهِ لَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُكْرَى أَوْ يَحْفَظُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي يَدِ الْغَرِيمِ أَوْ ذِمَّتِهِ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ بِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ أَوْ عَزْلِ الْحَاكِمِ وَتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ. وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْنُ الطَّلَبِ بِضَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ طَعْنٌ عَلَى الشُّهُودِ، وَتُعَادُ الْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ لِلْغَائِبِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ (وَكَالْحُكْمِ بِوَقْفٍ يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَقْفِ (مَنْ لَمْ يُخْلَقْ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (تَبَعًا) لِلْمَحْكُومِ لَهُ الْآنَ، (وَكَإِثْبَاتِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الْوَكَالَةَ فِي غَيْبَةِ) الْوَكِيلِ (الْآخَرِ فَتَثْبُتُ لَهُ) أَيْ الْغَائِبِ (تَبَعًا)، فَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ. (وَسُؤَالُ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ) عَلَى الْمُفْلِسِ (كَ) سُؤَالِ (الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْغُرَمَاءِ (فَالْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى عَدَدٍ) مَحْكُومٍ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ (أَوْ) عَلَى (أَعْيَانٍ) مَحْكُومٍ بِهَا (كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي) الْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِ (الْمُشَرَّكَةِ) وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَاهَا وَعَصَبَةٌ شَقِيقٌ (الْحُكْمُ فِيهَا لِوَاحِدٍ أَوْ) الْحُكْمُ (عَلَيْهِ يَعُمُّهُ) أَيْ الْمَحْكُومَ لَهُ أَوْ. عَلَيْهِ. (وَ) يَعُمُّ (غَيْرَهُ) فَإِذَا حُكِمَ لِأَحَدِ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ بِالتَّشْرِيكِ كَانَ حُكْمًا لَهُ وَلِبَاقِيهِمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ فَكَذَلِكَ. (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِ) أَهْلِ (طَبَقَةٍ) فِي وَقْفٍ (حُكْمٌ لِ) أَهْلِ الطَّبَقَةِ (الثَّانِيَةِ) بِهِ (إنْ كَانَ الشَّرْطُ وَاحِدًا) غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، (ثُمَّ مَنْ أَبْدَى) مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا (مَا) أَيْ أَمْرًا (يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى (لَوْ عَلِمَهُ فَلِثَانٍ) أَيْ الْمُبْدِي لِذَلِكَ الْأَمْرِ (الدَّفْعُ بِهِ) كَالْأَوَّلِ لَوْ عَلِمَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَطْنٍ يَتَلَقَّاهُ عَنْ وَاقِفِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَيَبِيعُ مَالَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لِلْغَائِبِ، وَأَعْلَى طُرُقِهِ الْبَيِّنَةُ فَيَكُونُ مِنْ الدَّعْوَى لِلْغَائِبِ تَبَعًا أَوْ مُطْلَقًا لِلْحَاجَةِ إلَى إيفَاءِ الْحَاضِرِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَائِبِ.
وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحُكْمٍ فَصَدَّقَهُ الْحَاكِمُ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ (قُبِلَ) قَوْلُ الْحَاكِمِ (وَحْدَهُ) فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ بِالْحُكْمِ، وَيُلْزِمُ خَصْمَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ حُكْمًا بِالْعِلْمِ بَلْ إمْضَاءٌ لِلْحُكْمِ السَّابِقِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (ابْتِدَاءً: حَكَمْت بِكَذَا) فَيُقْبَلُ مِنْهُ، (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الْحُكْمَ حَاكِمٌ (فَشَهِدَ بِهِ) أَيْ بِحُكْمِهِ (عَدْلَانِ) فَقَالَا لِلْحَاكِمِ: نَشْهَدُ عِنْدَكَ أَنَّكَ حَكَمْتَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا (قَبِلَهُمَا) الْحَاكِمُ (وَأَمْضَاهُ) أَيْ حُكْمَهُ (لِقُدْرَتِهِ عَلَى إمْضَائِهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ)؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمٍ غَيْرِهِ قَبِلَهُمَا، فَكَذَا إذَا شَهِدَا بِحُكْمِهِ نَفْسَهُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ لَمْ يَقْبَلْهُمَا وَلَمْ يُمْضِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَالْيَقِينُ أَقْوَى (بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ شَهَادَتَهُ فَشَهِدَا) أَيْ الْعَدْلَانِ (عِنْدَهُ) أَيْ النَّاسِي لِشَهَادَتِهِ (بِهَا) بِأَنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّك شَهِدْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، فَلَا يُشْهَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ شَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا يُمْضِيهَا الْحَاكِمُ، فَفَارَقَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ (وَكَذَا) أَيْ كَشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عِنْدَ حَاكِمٍ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا فِي إمْضَاءِ مَا شَهِدَا بِهِ (إنْ شَهِدَا) عِنْدَهُ (أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَكَ بِكَذَا)، فَيَقْبَلُهُمَا وَيُمْضِي مَا شَهِدَا بِهِ كَمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْحَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِحُكْمِهِ) وَلَا بِأَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ بِشَيْءٍ (أَحَدٌ) يَعْنِي عَدْلَيْنِ (وَوَجَدَهُ) أَيْ حُكْمَهُ مَكْتُوبًا، (وَلَوْ فِي قِمْطَرَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ كَحُكْمِ غَيْرِهِ، وَلِجَوَازِ أَنْ يُزَوَّرَ عَلَيْهِ وَعَلَى خَطِّهِ وَخَتْمِهِ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ. (أَوْ). وَجَدَ شَاهِدٌ (شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ وَتَيَقَّنَهُ) أَيْ الْخَطَّ (وَلَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الْمَشْهُودَ بِهِ (لَمْ يَعْمَلْ بِهِ) أَيْ مَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ نَصًّا، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زُوِّرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَثِيرًا (كَ) وُجْدَانِ (خَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ) لِأَبِيهِ، فَلَيْسَ لَهُ إنْفَاذُهُ، (أَوْ) وِجْدَانِ خَطِّ أَبِيهِ بِ (شَهَادَةٍ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ، كَشَهَادَةِ غَيْرِهِ إذَا وَجَدَهَا بِخَطِّهِ وَلَوْ تَيَقَّنَهُ (إلَّا عَلَى) قَوْلٍ (مَرْجُوحٍ). قَالَ (الْمُنَقَّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي قِمْطَرَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ لَمْ يُحْتَمَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، (وَمَنْ تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ) الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا (أَوْ يَعْتَمِدُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ يَتَجَوَّزُ بِذَلِكَ) أَيْ يَتَسَاهَلُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ (لَمْ يَجُزْ) لِلْحَاكِمِ الْمُتَحَقِّقِ لِذَلِكَ (قَبُولُ شَهَادَتِهِ) كَمُغَفَّلٍ، (وَإِلَّا) يَتَحَقَّقُ الْحَاكِمُ مِنْهُ ذَلِكَ (حَرُمَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ) لِقَدْحِهِ فِيهِ. (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الشَّاهِدِ (أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ) الَّتِي شَهِدَ بِهَا أَيْ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا شَهِدَ اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ. (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ) أَيْ يُحِيلُهُ (عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا) وَلَوْ عَقْدًا أَوْ فَسْخًا، لِحَدِيثِ: " {إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ: " زَوْجَاكِ شَاهِدَاك " إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَضَافَ التَّزْوِيجَ إلَى الشَّاهِدَيْنِ لَا إلَى حُكْمِهِ، وَلَمْ يُجِبْهَا إلَى التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ وَاللِّعَانُ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَا بِصِدْقِ الزَّوْجِ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ. (فَمَتَى عَلِمَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (حَاكِمٌ كَاذِبَةً لَمْ يَنْفُذْ) حُكْمُهُ بِهَا (حَتَّى وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا، (فَمَنْ حَكَمَ لَهُ) حَاكِمٌ (بِبَيِّنَةِ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ) لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَاطِنًا (فَ) إنْ (وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ) أَيْ عِلْمِهِ بِالْحَالِ (فَكَزِنًا) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهَا بِأَنْ أَكْرَهَهَا، فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ دُونَهَا، (وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ)؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَعَدَمِهِ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: لَا يَصِحُّ لِإِفْضَائِهَا إلَى وَطْئِهَا مِنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا: بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَالْآخَرُ: بِحُكْمِ الْبَاطِنِ. (وَإِنْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودِ زُورٍ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا وَيُكْرَهُ لَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا ظَاهِرًا)؛ لِأَنَّهُ طَعْنٌ عَلَى الْحَاكِمِ (وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ بِالْحَالِ) مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِبَقَائِهَا فِي عِصْمَةِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَحَلَّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ نِكَاحُهَا، (وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ) حَكَمَ (عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ عَمِلَ) الْمُجْتَهِدُ (بَاطِنًا بِالْحُكْمِ) لَهُ أَوْ عَلَيْهِ كَمَا يَعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا لِرَفْعِهِ الْخِلَافَ. (وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ لَحْمًا مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ) عَمْدًا (فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ) أَيْ الْبَيْعِ حَاكِمٌ (شَافِعِيٌّ نَفَذَ) حُكْمُهُ؛ فَيَدْخُلُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا، وَكَذَا إنْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةِ جِوَارٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْإِمَامِ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ أَنْ يَطْلُبَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِشُفْعَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَهُوَ فِي حَالِ طَلَبِهِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طَلَبِ شَيْءٍ وَبَيْنَ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ قَالَ: لَكِنْ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَهُ أَوْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ بِحُكْمٍ أَوْ قَسَمٍ فَهُنَا يُتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ رَدَّ حَاكِمٌ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِ) رُؤْيَةِ هِلَالِ (رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ) ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِعَدَالَتِهِ، وَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ (كَ) رَدِّ شَهَادَةٍ (بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ) فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ. (وَ) عَدَمُ التَّأْثِيرِ بِرَدِّ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ (أَوْلَى) مِنْ عَدَمِهِ بِرَدِّهَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ رَدُّ شَهَادَتِهِ بِرَمَضَانَ (فَتْوَى فَلَا يُقَالُ: حُكِمَ بِكَذِبِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ) أَيْ الْهِلَالَ. (وَلَوْ رُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ) كَنِكَاحِ امْرَأَةٍ نَفْسَهَا (لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ) صِفَةٌ لِحُكْمٍ بِأَنْ لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا (لِيُنَفِّذَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِرُفِعَ، (لَزِمَهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (تَنْفِيذُهُ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ) أَيْ الْحُكْمَ صَحِيحًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ لِذَلِكَ. (وَكَذَا إنْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ وَتَزْوِيجِهِ يَتِيمَةً) وَحُكْمِهِ عَلَى غَائِبٍ أَوْ بِالثُّبُوتِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَنَحْوِهِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ. وَفِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ نَفْسُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ، لَكِنْ إنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ فَلَزِمَ تَنْفِيذُهُ كَغَيْرِهِ. اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ. (وَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ، بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ غَيْرِهِ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ، (وَأَقَرَّا) أَيْ الْخَصْمَانِ (بِأَنَّ) حَاكِمًا (نَافِذَ الْحُكْمِ) كَحَنَفِيٍّ (حَكَمَ بِصِحَّتِهِ) أَيْ يَكُونُ: ذَلِكَ الْعَقْدُ صَحِيحًا (فَلَهُ إلْزَامُهُمَا ذَلِكَ) الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَقَرَّا بِهِ فَلَزِمَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّا بِغَيْرِهِ، (وَلَهُ رَدُّهُ) أَيْ قَوْلِهِمَا (وَالْحُكْمُ) عَلَيْهِمَا (بِمَذْهَبِهِ) مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ. (وَمَنْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ لَمْ يُفَارِقْ) زَوْجَتَهُ (بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي صِحَّتِهِ، (كَحُكْمٍ) أَيْ كَمَا لَوْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ مُجْتَهِدٌ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَلَا يُفَارِقُ (بِخِلَافِ مُجْتَهِدٍ نَكَحَ) امْرَأَةً بِعَقْدٍ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّتِهِ، (ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ) أَيْ مَا أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِرَاقُ زَوْجَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا، (وَلَا يَلْزَمُ) مُجْتَهِدًا قَلَّدَهُ عَامِّيٌّ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ (إعْلَامُ الْمُقَلِّدِ) لَهُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ (بِتَغَيُّرِهِ) أَيْ: الِاجْتِهَادِ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفِرَاقُ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ مَنْ قَلَّدَهُ. (وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ (فِي إتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ) دَلِيلٍ (قَاطِعٍ) لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، (أَوْ) بَانَ (خَطَأُ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا) لِلْفُتْيَا بِإِتْلَافٍ كَقَتْلٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّاهُ رِدَّةً أَوْ قَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا أَوْ جَلْدٍ بِشُرْبٍ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ جَلْدٌ كَشَارِبٍ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ حَدَّهُ فَمَاتَ، (ضَمِنَا) أَيْ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِمَا كَمَا لَوْ بَاشَرَاهُ.
وَمَنْ غَصَبَهُ إنْسَانٌ مَالًا جَهْرًا (أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ) أَيْ عَيْنُ مَالِ غَيْرِهِ، (فَلَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مَالُهُ جَهْرًا (أَخْذُ قَدْرِ) مَالِهِ (الْمَغْصُوبِ) مِنْ مَالِ غَاصِبٍ (جَهْرًا) كَمَا فَعَلَ، (وَ) لِرَبِّ الْعَيْنِ الَّتِي عِنْدَ غَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ (عَيْنَ مَالِهِ) مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ (وَلَوْ قَهْرًا) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يُفْضِ إلَى فِتْنَةٍ إلَّا (أَخَذَ قَدْرِ دَيْنِهِ) الَّذِي لَهُ بِذِمَّةِ غَيْرِهِ (مِنْ مَالِ مَدِينٍ تَعَذَّرَ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْهُ بِحَاكِمٍ لِجَحْدٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَسُكَّانِ بَوَادٍ يَتَعَذَّرُ إحْضَارُ الْخُصُومِ مِنْهَا نَصًّا لِحَدِيثِ: " {أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِلَا إذْنِهِ خِيَانَةٌ لَهُ. وَحَدِيثِ: " {لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ}؛ وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: لَا آخُذُ حَقِّي إلَّا مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَقَاصَّا (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذَ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ) فَيَأْخُذُهُ وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، (أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَقَرِيبٍ وَمُعْتِقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالْكِسْوَةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ، لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّيْنِ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَيْ فَتَشُقُّ الْمُحَاكَمَةُ وَالْمُخَاصَمَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ. وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قِيَامَ الزَّوْجَةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ. فَكَأَنَّ الْحَقَّ صَارَ مَعْلُومًا بِعِلْمِ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ، وَأَيْضًا فَالْمَرْأَةُ تَنْبَسِطُ فِي مَالِ الزَّوْجِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَأَثَّرَ فِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَيْضًا النَّفَقَةُ تُرَدُّ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَلَا صَبْرَ عَنْهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَخْذُ نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً، (فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ صَاحِبِهِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ) دَيْنَ الْجَاحِدِ لِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَرَاضَيَا فَإِنَّ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ تَقَاصَّا.
|